موضوع: الأمارات/الاجماع المنقول/عدم کاشفیة الاجماع عن التسالم و الارتکاز و حجیة اجماع المنقول
و بعد بيان النقاش في حجية الاجماع الحدسي ينبغي أن نتذكر أمرين حول مسئلة حجية الإجماع:
الأمر الاول: إن جمعا من الأعلام و المحققين كالسيد الصدر و الشيخ التبريزي (قدس سره) قالوا بأن فقهائنا الأقدمين كفقهاء عهد الغيبة الصغرى و أوائل عهد الغيبة الكبري كالصدوق و الطوسي و المفيد (رضوان الله عليهم) إذا أجمعوا على حكم شرعي و لم يصل إلينا دليل عليه فإجماعهم كاشف عن تسالم الشيعة على ذلك الحكم في عصرهم لأنهم أخذوا الحكم من الجيل السابق و هم جيل أصحاب الأئمة (عليهم السلام) الذين هم حلقة الوصل بينهم و بين الأئمة (عليهم السلام) فباعتبار كاشفية الإجماع عن ارتكاز الشيعة في عهد فقهائنا السابقين نقول بحجيته و لكن الحق عدم تمامية هذه الدعوى و ينبغي تقديم مقدمة في المقام لأجل بيان الفساد في هذه الدعوى و هو أن الارتكاز و التسالم يتحقق في موردين:
الاول: التسالم و الارتكاز الثابت بين أصحاب الأئمة (عليهم السلام) و كان هذا الارتكاز ناشئا من أفعال الأئمة (عليهم السلام) و أحوالهم و أقوالهم و تقاريرهم و حجية هذا الارتكاز مما لا ريب فيه.
الثاني: التسالم و الارتكاز الناشئ من فتاوى الفقهاء و الأصحاب و هذا التسالم ليس بحجة.
فإن أحرزنا بأن منشأ فتوى فقهاء الطائفة إنما هو ارتكاز أصحاب عهد الأئمة (عليهم السلام) فلا كلام في حجية إجماعهم لإستناده إلى تسالم الأصحاب في عهد الأئمة (عليهم السلام) و لكننا لا نتمكن من العلم بأن منشأ فتوى الفقهاء في طول العصور و الأزمان إنما كان هو ارتكاز أصحاب عهد الأئمة (عليهم السلام) و تسالمهم على أمر فالعلم بأن منشأ اتفاق الفقهاء و إجماعهم على أمر إنما هو تسالم الأصحاب في عهد الأئمة (عليهم السلام) غير ممكن عادة إذ يمكن استناد فتوى الجيل اللاحق من الفقهاء إلى إجماع الاجيال السابقة عليهم و إجماع الاجيال السابقة ليس بحجة.
إن قلت: إن إجماع الاجيال السابقة من الفقهاء كان مستندا إلى تسالم الأصحاب في عهد الأئمة (عليهم السلام).
قلنا: يمكن استناد فتوى الجيل السابق من الفقهاء إلى أمور غير التسالم كالاجماع مثلا و لماذا لا يستدلون في كلامهم بالتسالم أو بضرورة المذهب فإن كان مستند الفتوى عندهم هو التسالم فلماذا لا يستدلون به في كلامهم مع أن منهج الفقهاء و دأبهم هو الاشارة إلى مدارك الفتوى و أدلتها؟! و بيان عدم كاشفية الإجماع عن التسالم و الارتكاز يحتاج إلى مزيد من التوضيح و هو: إن سيرة الشيعة اذا استقرت على أمر فلا تتغير في طول العصور و الأزمان و لذا نحن لم نجد موردا بأن السيرة كانت على أمر من قديم الزمان مع أنها تتغير في زماننا هذا مثلا إن سيرة الشيعة من قديم الزمان كانت على التشرف بالعتبات المقدسة و زيارة الأئمة (عليهم السلام) و كانت على السجود بالتراب و كانت على لبس السواد و البكاء في عزاء الأئمة (عليهم السلام) فهل تتغير هذه السير في طول هذه القرون و الأزمان؟ كلا و لذا قلنا بأننا لم نر موردا في التاريخ بأن سيرة الشيعة قد استقرت على أمر مع أنها تغيرت في زماننا هذا و معنى تغيير السيرة في كلامنا هو عدم بقاء أثر منها في الجوامع الشيعية و لكننا لم نر موردا في زماننا بأن سيرة من سير الشيعة لم یبق أثر منها بل سيرة الشيعة ثابتة و لو بعد مضي القرون المتمادية و بعد تهاجم الأعداء و القائهم الشبهات الكثيرة في المسائل الدينية و العقائدية.
إن قلت:
يمكن تغيير بعض السير الشيعية في زماننا هذا حيث إن هجوم شبهات الأعداء في هذا الزمان كان أكثر من كثير و هذا يوجب تضعيف عقائد الناس بالشريعة و الدين و عدم اهتمامهم بأحكامها و إذا لم يهتم الناس بأحكامهم و مناسكهم فلا يتبعون كلام الفقهاء و لا يعتنون بكلامهم فلا يعملون حينئذ بأحكام الشريعة و إذا لم يعملوا بها لإندرست أحكامها فلم يبق أثر منها و هذا يوجب تغيير السيرة الشيعية في طول الزمان.
قلنا:
إن قلنا بأن احتمال تغيير السيرة الشيعية موجود في عصرنا الا أن هذا الاحتمال مدفوع بالنسبة إلى القرون الماضية كالقرن السادس أو السابع مثلا لأن كثرة هجوم شبهات الأعداء و شدة إهمال الناس بالمناسك و الأحكام و كثرة دواعى المخالفين لإدخال البدع و الانحراف في الدين ليست في تلك الأزمان كما في هذا الزمان و لذا قلنا بأن احتمال تغيير سيرة الشيعة في تلك القرون أبعد من البعيد و لا يحتمل عادة و إذا عرفت ذلك فنقول: بأن السيرة الشيعية إذا استقرت على أمر في عهد الغيبة الصغرى مثلا فهى ثابتة على الاقل إلى القرن السادس أو السابع و بعد وجود التسالم و استقرار السيرة على الحكم الشرعي في طول هذه القرون كان على فقهائنا الاستدلال بالسيرة و التسالم على الحكم الشرعي مع أنهم لم يستدلوا بها في كلماتهم بل يستدلون بالإجماع و نحوه فإن كان الدليل عندهم هو التسالم فلماذا يستدلون في كلماتهم بالإجماع لإثبات الحكم الشرعي و لم يستدلوا بالسيرة و التسالم و ضرورة المذهب مع أن دأبهم هو التعرض و الاشارة إلى مدارك الأحكام و ادلتها؟!
فإحتمال وجود التسالم بعيد جدا حيث إن الفقهاء في طول هذه القرون لم يستدلوا بالتسالم و السيرة على الحكم الشرعي بل استدلوا به على مثل الاجماع! فهذا كاشف عن عدم وجود التسالم بينهم لأن التسالم ان كان واقعا لكان ثابتا إلى القرن السادس و السابع مثلا فعلى فقهاء هذه العصور الاستدلال بالتسالم و السيرة على الحكم الشرعي مع أنهم استدلوا بكل شيئ الا التسالم؟!
الأمر الثاني: هل يضر بالإجماع مخالفة واحد من فقهائنا أو مخالفة عدة قليلة منهم أو لا يضره ذلك؟ إن قلنا بأن مخالفة عدة قليلة من الفقهاء كالشيخ الصدوق و المحقق أو الشيخ الطوسي في أحد كتبه مثلا، لا يضر بالإجماع بحيث كان ذلك الاجماع صالحا للكشف عن الارتكاز و السيرة فقلنا بأن دعوى هذا الأمر دعوى مشكلة جدا لأن الارتكاز و السيرة كيف استقرت بين الشيعة مع أن هذا قد خفى على جملة من أجلاء فقهائنا كالشيخ الصدوق و المحقق و الشهيد مثلا فلذا قلنا بأن دعوى كشف الاجماع عن الارتكاز في أمثال هذه الموارد دعوى بعيدة جدا لأن السيرة و التسالم كيف استقرت بين الشيعة الامامية مع أن هذه السيرة قد خفيت على جملة من أعاظم فقهائنا و أجلائهم؟! و إن قلنا بأن المحقق و الشهيد و الصدوق أعلى الله مقامهم فهموا عدم قيام الدليل على ذلك الحكم المجمع عليه و لذا لما أفتوا به مع أن سائر المجمعين لم يفهموا عدم وجود الدليل عليه و لذا أفتوا به فهذه الدعوى أصعب من الدعوى السابقة إذ كيف يمكن أن نقول بأن الفقهاء بأجمعهم لم يفهموا عدم قيام الدليل على الحكم الشرعي مع أن عدة قليلة من الفقهاء فهموا ذلك؟! فالقول بأن الاجماع في هذه الموارد دليل على وجود الارتكاز و لذا يحكم بحجيته بعيد إذ كيف يمكن أن نقول بالارتكاز مع أنه قد خفى على عدة من فقهائنا و القول بأن الاجماع في أمثال هذه الموارد ليس بحجة لأن مخالفة عدة قليلة من الفقهاء كاشفة عن عدم قيام الدليل على الحكم المجمع عليه أبعد من السابق لأننا كيف نقول بأن الفقهاء كلهم قد غفلوا عن عدم قيام الدليل على فتواهم و لكن جمع قليل من الفقهاء قد التفتوا إلى ذلك؟! فهذا أمر بعيد أيضا و لذا قلنا بأن حجية الاجماع و إن لم تثبت عندنا الا أن مخالفة الإجماع و التمسك بالاصول الترخيصية مثلا في قبال الإجماع لا يجوز أيضا مثلا إذا أفتى الفقهاء كلهم أو أكثرهم بحكم الزامي مع أنه لم يصل إلينا دليل عليه أو وصل إلينا دليل لا يصلح للدلالة على الالزام فلا يجوز حينئذ التمسك بإطلاق أدلة البرائة لأن حجية الاطلاق إنما كانت ثابتة بسيرة العقلاء و لكن التمسك بإطلاق الدليل الترخيصي غير ثابت في السيرة مع قيام الإجماع على الالزام فاذاً لا يجوز للفقيه التمسك بإطلاق أدلة البرائة لعدم حجيته في سيرة العقلاء بل المتعين على الفقيه في هذه الموارد هو الحكم بالاحتياط و لا نتعدى من الاحتياط في أمثال المقام و لكن ذكر الاحتياط في الرسالة العملية إنما يوجب الضرر على المذهب في زماننا هذا و لذا لا ينبغي للفقيه ذكر الاحتياط في رسالته العملية لأن الاجيال الآتية من الفقهاء لما يرون الاحتياط في رسالة الفقيه فيقولون بأن هذا الحكم الذي احتاط فيه السيد الخوئي مثلا لا يدل عليه الدليل و لذا قال السيد بالاحتياط و نحن لم نقل بالاحتياط فی هذا الزمان بل نقول بالجواز فيتعدى الجيل الآتي من الفقهاء من الاحتياط و يقولون بالجواز و كان المنشأ في قولهم بالجواز هو الاحتياط الذي قال به السيد مثلا و هذا يوجب الضرر على المذهب.
حجية الاجماع المنقول:
قال المحقق الآخوند (قدس سره) في الكفاية بأن نقل الاجماع له صور:
الاول: إن نقل الاجماع قد يتكفل لنقل السبب و المسبب عن حس و هذا لا اشكال في حجيته بأدلة حجية خبر الواحد.
الثاني: إن نقل الاجماع لم يكن متضمنا لنقل السبب و المسبب عن حس بل كان ممحضا لنقل السبب الا أنه كان سببا بنظر المنقول إليه فيعامل حينئذ مع المنقول معاملة المحصل في الالتزام بمسببه بأحكامه و آثاره.
الثالث: و أما اذا كان نقله للمسبب لا عن حس بل بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه دون المنقول إليه ففيه اشكال أظهره عدم نهوض تلك الأدلة على حجيته على حجيته إذ المتيقن من بناء العقلاء غير ذلك كما أن المنصرف من الآيات و الروايات _على تقدير دلالتهما_ ذلك خصوصا فيما اذا رأى المنقول إليه خطأ الناقل في اعتقاد الملازمة.
الرابع: و أما اذا نقل الشخص جزئا من السبب لحدس رأى الإمام (عليه السلام) کما اذا نقل اتفاق خمسين من العلماء على الحكم الشرعي مع أننا نحدس الحكم من اتفاق تسعين منهم فهو في الاعتبار بالنسبة إلى مقدار من الأقوال التي نقلت إليه على الاجمال بألفاظ نقل الاجماع مثل ما إذا نقلت على التفصيل فلو ضم إليه مما حصله أو نقل له من أقوال السائرين أو سائر الأمارات مقدار كان المجموع منه و ما نقل بلفظ الاجماع بمقدار السبب التام كان المجموع كالمحصل و يكون حاله كما اذا كان كله منقولا.
مناقشة الأستاذ (دام ظله) في كلام الآخوند:
أولا: إن المحقق الآخوند قد ادعى بأن المدلول الالتزامي للإجماع المنقول بخبر الواحد حجة اذا نقل الاجماع عن حس و كان هو موجبا لحدس رأى الإمام (عليه السلام) عند المنقول إليه مع أن هذا الكلام ليس بتام لأن حجية المداليل الالتزامية للأمارات إنما هى ثابتة بسيرة العقلاء مع أن السيرة يجب أن تكون في زمن الإمام (عليه السلام) حتى يكشف الامضاء عن عدم ردعها يعني إن حجية السيرة في المقام تتوقف على أمر و هو ان الشخص في زمن الامام (عليه السلام) قد نقل الاجماع الملازم لحدس رأى الأمام (عليه السلام) عند المنقول إليه مع أن المنقول إليه قد أخذ بلازم خبره و هو رأى الإمام (عليه السلام) و لكن الإمام لم يردع عنه مع ان وجود هذه السيرة غير محرز في زمن الامام (عليه السلام) فلا طريق لنا لكشف امضاء هذه السيرة المدعاة في كلام الآخوند.
ثانيا: إن آية النباء و هو مما استدل به على حجية خبر الواحد تدل على إلغاء احتمال التعمد على الكذب في خبر العادل و لا يدل على وجوب البناء على إصابة حدسه إلى الواقع و حجية اخباراته الحدسية فغاية ما تدل عليه الآية هو إلغاء احتمال التعمد على الكذب في الخبر الحسي و لذا إن الآية بضم أصالة عدم الخطأ تدل على حجية خبر العادل اذا كان حسيا لأن إحتمال الخطأ في الخبر كان ناشئا من أمرين:
الاول: احتمال تعمد المخبر على الكذب و ینفی هذا الاحتمال بالآية الشريفة بالنسبة إلى خبر العادل و الثاني: احتمال وجود الخطأ و الاشتباه في تلقي الواقعة الحسية و هذا الاحتمال ينفي بأصالة عدم الخطأ فالآية بضم أصالة عدم الخطأ تدل على حجية خبر العادل فيما اذا كان حسيا و لكن أصالة عدم الخطأ لا تأتي في الأخبار الحدسية لكثرة الخطأ فيها و لذا لا يصح أن يقال بأن الآية بضم أصالة عدم الخطأ تدل على حجية الأخبار الحدسية لأن موضوع أصالة عدم الخطأ هو الحس دون الحدس فالآية لا تدل على حجية الخبر الحدسي بوجه مضافا إلى أن الظاهر من الآية هو شمولها للخبر الحسي دون الحدسي و ذلك لوجهين:
الاول: إن آية النبأ تقول:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾
فالظاهر من تعبير الآية و هو إن جائكم فاسق بنبأ هو شمولها للخبر الحسي دون الحدسي لأن المتفاهم العرفي من كلام المتكلم إذا قال: فلان جائني بخبر هو أن فلانا أخبره عن واقعة حسية و من هنا اذا أخبرنا فقيه عن حكم شرعي بإجتهاده و حدسه فلا نقول بأنه جاء إلينا بالخبر لأن هذا التعبير ليس بمعهود عرفا في الاخبارات الحدسية.
الثاني: الظاهر من الامر بالتبين هو شمول الآية للخبر الحسي دون الحدسي حيث إن نوع الناس لا يقدرون على التبين بالنسبة إلى الاخبارات الحدسية لأن الناس يقدرون على التبين بالنسبة إلى الاخبار الحسية فقط.
لا يقال:
إذا نقل في كلام الفقهاء إجماع على الحكم فنحن نجري أصالة الحس و نقول بأن الأصل هو أن الاجماع المنقول يحصل بسبب الحس لا الحدس فاذاً لا مجال للقول بأن نقل الاجماع بخبر الواحد حدسي و لا تشمله أدلة حجية خبر الواحد لأن تلك الأدلة شاملة للخبر الحسي لا الحدسي حيث إننا ننقح موضوع أدلة حجية خبر الواحد في المقام بواسطة أصالة الحس و نقول بأن الموضوع لأدلة الحجية و هو الخبر الحسي متحقق في الاجماعات المنقولة.
لأنه يقال:
إن هذا الأصل ليس بجار في الاجماعات المنقولة لإحتمال الحدس في الاجماعات المنقولة احتمالا عقلائيا و مع وجود هذا الاحتمال لا تجري أصالة الحس و السر فی ذلک هو اننا لو تتبعنا الاجماعات نری بان کثیرا من الاجماعات المنقولة فی کلمات الفقهاء و الاصحاب انما کانت مستندة الی الحدس لا الحس مثلا ان الاجماعات قد نقلت في المسائل کثیرا ما مع كونها معارضة معا او الاجماع قد نقل في المسئلة مع أن الناقل للإجماع قد يعلم بوجود المخالف فيها و لذا قال بأن هذه المسئلة اجماعية الا أن فلانا قد خالف فيها و لا یضر مخالفته لکونه معلوم النسب او نقل الاجماع فی الکلمات مع اننا لو تتبعنا لوجدنا المخالف لها فلذا قد نعلم من هذه الامور بان نوع الاجماعات المنقولة فی الکلمات كانت حدسية و ليست بحسية و لذا لا تجري أصالة الحس فيها لاحتمال استناده الی الحدس احتمالا عقلائیا و من هنا لاتشملها أدلة حجية الخبر لإختصاصها بالخبر الحسي.
مناقشة المحقق الاصفهاني في حجية الاجماع المنقول بنحو جزء السبب:
قال المحقق الآخوند بأن الناقل للإجماع إن نقل اتفاق خمسين من الفقهاء في المسئلة مع أن الحدس بالحكم الشرعي يحصل باتفاق تسعين منها فإن حصلنا وجدانا اتفاق أربعين من فقهائنا في المسئلة ثم ضممنا الوجدان إلى الخبر فلاريب في حجية خبر المنقول بنحو جزء السبب و حجية مدلوله الالتزامي و هو رأى الإمام (عليه السلام) و لكن المحقق الاصفهاني (أعلى الله مقامه) قد أشكل على كلام المحقق الآخوند و قال بأنه أن أريد اثبات الحجية له بلحاظ مدلوله الالتزامي فالمفروض عدم الملازمة لأن المفروض قيام إجماع خمسين نفر من فقهائنا على الحكم مع أن الحدس بالحكم لا يحصل بإجماع خمسين من العلماء عليه فليس الحكم مدلولا التزامیا للاجماع المنقول بخبر الواحد بنحو جزء السبب و إن أريد ذلك بلحاظ مدلوله المطابقي فليس حكما شرعيا و لا موضوعا له فاذاً لا يثبت بالخبر حكما شرعيا.
مناقشة السيد الصدر في كلام المحقق الاصفهاني:
و قال السيد الصدر بعد التعرض إلى كلام المحقق الاصفهاني بأن هذا الإشكال واضح الدفع فإنه يكفي في دفعه أن يقال بأن في المقام أيضا يوجد مدلول التزامی و هو قضية شرطية أنه إذا ما توفر الجزء الآخر _المفروض توفره_ كان ذلك مطابقا مع قول المعصوم و حجية هذا المدلول الالتزامي الشرطي كاف لنا كما لا يخفى[1]
مناقشة الأستاذ (دام ظله) في كلام السيد الصدر:
إن حجية مثبتات الأمارات و مداليلها الالتزامية إنما هى بسيرة العقلاء و السيرة كما قلنا مرارا يجب أن تكون في زمن الإمام (عليه السلام) حتى يكشف الإمضاء عن عدم ردعها مع أن السيرة بالأخذ بالمدلول الالتزامي التعليقي في أمثال هذا المقام ما كانت ثابتة في زمن الامام (عليه السلام).
إن قلت: إن مثبتات الأمارة حجة مطلقا من باب السيرة و لذا إن المثبتات حجة في المقام أيضا لاطلاق السيرة المستقرة على حجيتها.
قلنا: إن السيرة ليست بلفظ حتى يقال بأنها مطلقة بل السيرة كما قلنا مرارا إنما هى عبارة عن عمل العقلاء خارجا و العمل ليس له اطلاق حتى يقال بأنه يشمل المورد أيضا و لذا يجب أن تحرز السيرة في كل مورد بالخصوص أو تحرز في مورد مع عدم احتمال الفرق بينه و بين المورد الآخر مع أن السيرة العقلائية في عهد الإمام (عليه السلام) ليست على الأخذ بالمدلول الالتزامي التعليقي للكلام في أمثال هذا المقام.
مناقشة أخرى في كلام المحقق الاصفهاني:
قد أشار المحقق الاصفهاني (قدس سره) إلى مناقشة في كلامه ثم أجاب عنه و حاصل المناقشة هو أن الشخص إذا كان عراقیا و هو يسئل عن الامام (عليه السلام) وزن ماء الكر فهل يكون قوله حجة مع أنه ما كان حكما شرعيا و لا موضوعا لحكم شرعي؟! قلنا: نعم لأن جواب الإمام (عليه السلام) مترتب على كلامه فكلام العراقي يكون موضوعا للحكم الشرعي و من هنا إذا سئل العراقي عن وزن ماء الكر فقال الإمام عليه السلام في جوابه بأن ماء الكر ألف و مائتا رطل فيعلم من سوال السائل أن جواب الإمام مترتب على الرطل العراقي دون المدني و المكي فكان كلام السائل موضوعا للحكم الشرعي فيكون حجة و هذا بخلاف فتوى الفقهاء فانها لا دخل لها في رأي الامام (عليه السلام) حكما وموضوعا سعة و ضيقا.
فقد ظهر مما تقدم تمامية اشكال المحقق الاصفهاني علی کلام الآخوند.
[1]. بحوث فی علم الاصول، ج 4 ص 318