تقریر جلسه ۸۷ و ۸۸. آقای حسینی بادکوبه ای
ومنها قوله علیه السلام: دعی الصلاة أیام أقرائک فلو کان المنهی هی الصلاة الصحیحة للزم التکلیف والنهی عما لا تقدر علیه فلا بدّ وأن یکون المنهی هی الصلاة الفاسدة أورد علیه فی الکفایة بأن لازمه حرمة الصلاة علیها ذاتا ولا قائل به فالمراد من النهی هو الارشاد إلی بطلان الصلاة وعدم القدرة علی الاتیان بها ولا یشترط فیه القدرة علی المنهی[۱] فالمستعمل فیه ههنا هی الصلاة الصحیحة.
هذا ولکنه لا ملازمة بین القول بالصحیح وحمل النهی علی الارشاد کما أشار إلیه المحقق الایروانی(قدس سره)[۲]بل المراد هو النهی التکلیفی عن الصلاة الصحیحة لولا محذور الحیض بأن کانت واجدة لسائر الاجزاء والشرائط وقد قیل نظیر ذلک فی حرمة البیع الربوی وأن الحرام هل هو البیع الصحیح الربوی بحیث لو کان فاسدا من جهة أخری لم یحرم الربا فیه تکلیفا أو أن الحرام هو البیع الربوی مطلقا.
ومنها صحة تعلق النذر بترک الصلاة فی الحمام مثلا بحیث لو صلی فیه لحصل الحنث مع أنه لو قلنا بالصحیح فلا یمکن النذر ولا الحنث أما الحنث فلأن ما نذر تركه بناء على الوضع للصحيح هو الصلاة الصحيحة، بينما المأتي به في الحمّام ليس صلاة صحيحة بل فاسدة لأنه قد تعلّق النذر بتركها و ما دامت فاسدة يلزم أن لا يتحقّق الحنث بفعلها لأن المنذور تركه هو الصلاة الصحيحة وأما النذرفلأنه يلزم من فرض صحة الصلاة عدمها لأنه متى ما افترضنا صحة الصلاة سوف تكون الصلاة بناء على الوضع للصحيح متعلقا للنذر ولازم تعلق النذر بتركها أن لا تقع صحيحة إذن يلزم من فرض تحقّق الصحة عدم تحقّقها ومن الواضح أن ما يلزم من فرض تحقّقه عدمه يكون أصل وجوده مستحيلا وهذا معناه أن افتراض صحة الصلاة أمر مستحيل و من ثمّ يلزم عدم إمكان تعلّق النذر بترك الصلاة الصحيحة بل یلزم محذور آخر وهو تعلق النذر بغیر المقدور فإنه وإن کان قادرا علی الامتثال لکنه عاجز عن الحنث والمختار هو من یقدر علی الفعل والترک.
أجاب عنه المحقق الخراسانی(قدس سره) بوجهين:الاول: أن غایة هذا الوجه هو أن الناذر قاصدٌ للأعم فهو لا يقتضي وضع لفظ الصلاة للأعم فالصحيح أن هذا المحاذیر تقتضی قصد الناذر للأعم مجازا لا الوضع للأعم فاللفظ موضوع لخصوص الصحيح والناذر يقصد الأعم ولا محذور فیه.
الثانی:المنذور علی القول بالصحیح هو الصحیح اللولائی أی ما یکون صحیحا لولا النذر و معه یمکن الحنث ولا يلزم من فرض تحقّق صحة الصلاة انعدام نفس الصحة، فإن الذي يزول بعد النذر هو الصحة الفعلیة أجل لو فرض أن المكلف قد نذر ترك الصلاة التي هي صحيحة بالصحة الفعلية یتم المحاذیر لکنه خلاف المتعارف.
أورد علیه المحقق الایروانی(قدس سره) بأمور: أما الالتزام بأصل صحة هذا النذر ففیه أن متعلق النذر لا بدّ وأن یکون راجحا وإن لم یکن أرجح من غیره (بخلاف باب القسم حیث یشترط فیه عدم وجود الارجح منه لقوله علیه السلام: (إذا رأیت خیرا منه فاترکه) وهذا بخلاف النذر فلو نذر الاتیان بالصلوات فی البیت لا یمکنه الاتیان بها فی المسجد وإن کان خیرا منه لأن متعلق النذر هو البیت وهو فی حدّ نفسه راجح نعم لا یمکنه نذر ترک الاتیان بالصلوات فی البیت لأنه مرجوح بل لا بدّ وأن ینذر الاتیان بها فی المسجد مثلا) ومن المعلوم أن الصلاة فی الحمام راجح و ليس المراد من كراهتها مرجوحيتها كما يأتي تفصيل الكلام في ذلك في مبحث اجتماع الأمر و النهي فلا یصح نذر ترکه المرجوح والدلیل علی لزوم هذا الشرط فی النذر هو نفس صیغة النذر فإنه لا یمکن القول بإتیان الفعل من أجل المولی إلا إذا کان محبوبا له ولذا یقال لیس لنا عبادة إلا وهو مستحب علی الاقل أما الایراد الاول فللمستدل ان يقول لا شبهة في صحة نذر ترك ما هو المسمی بهذا اللفظ أعني به لفظ الصلاة مدلولا حقيقيا کما لا شبهة في حصول الحنث في الخارج بفعل الصلاة التي لا تتصف بعد النذر الا بالفساد و نتيجة المقدمتين عدم الوضع لخصوص الصحيح و ثبوت الوضع للأعم أو لخصوص الفاسد لكن الأخير باطل لعدم قائل به فيتعين الأول أما الایراد الثانی فلأن الصحة اللولائیة هو عین الفساد الفعلی فهل يريد القائل بالصحيح سوى الصحيح بقول مطلق و الا فكل فاسد صحيح على تقدير و حال فليس هذا الا التزاما بالإشكال و بالاستعمال في الفاسد.[۳]
وما ذکره متین إلا ما ذکره أولا فإنه یمکن القول بأن المقصود هو تعلق النذر بالترک إلی البدل بأن ینذر ترک الصلاة فی الحمام والاتیان بها فی غیره أما لو نذر الترک المطلق فلا ریب فی مرجوحیته ومثله ما لو نذرعدم الاتیان بالصلاة الفرادی بمعنی الاتیان بها فی الجماعة هذا والمهم فی المقام ما ذکرناه سابقا من أن الاستعمال أعمّ من الحقیقة والمجاز فلعل الاستعمال هنا علی طریق المجاز وما ذکر من المحذور قرینة علیه.
فتحصل من جمیع ذلک أن المختار فی ألفاظ العبادات هو الوضع للأعم وفاقا لمشهور المتأخرین ولا محذور فیه ثبوتا لما سبق من أن الجامع عند الاعمی هو معظم الاجزاء بالقیاس إلی صلاة الوتر والدلیل علیه إثباتا هو التبادر فی زماننا ولکنه کما سبق لا یجدی لما نقل من صدر الاسلام فمع الشک فی المراد فیها لا یمکن الرجوع إلی العام فتجری البراءة نعم الظاهر ثبوت الحقیقة المتشرعیة فی الاعم.
تتمة: فی الصحیح والاعم فی ألفاظ المعاملات
لا یخفی أنه لا قائل بالحقیقة الشرعیة فیها فالبحث عنها فی المقام من باب المناسبة وفیها جهات من البحث:
الجهة الاولی:فی تحدید المراد بالصحّة ههنا أهو الصحة عند العقلاء أوعند الشرع أيضا؟
فإن الصحة في باب العبادات لم تكن إلّا صحة شرعية ولكن في باب المعاملات الصحة صحتان، شرعية وعقلائية، لأن المعاملات كما أن للشارع فيها أحكاما، فكذلك للعقلاء فيها أحكام و قد اختار السيد الخوئی(قدس سره) أن المبحوث عنه هو الوضع للأعم أو الصحيح بنظر العقلاء فقط، إذ دعوى الوضع بإزاء الصحيح الشرعي يستوجب أن تكون أدلة الإمضاء من مثل (أحلّ اللَّه البيع) لغواً حيث يرجع بحسب المفاد إلى قولنا البيع الصحيح شرعا صحيح شرعا!
أورد علیه بأنه لیس المراد من أخذ الصحة الشرعیة فی المسمی هو أخذ عنوان الصحة کیف وعلی ذلک یلزم أن لا يعقل الوضع للصحیح فی العبادات أیضا لأن الصحة في العبادة متقومة بالأمر فيكون أخذها في المسمَّى مستلزماً لتعلّق الأمر بالمأمور به فیکون معنی أقیموا الصلاة هو الامر بالصلاة المأمور بها! فالمراد بالصحة هو واقعها من الاجزاء والشرائط فهل البیع قد وضع لما اشتمل علی جمیع ما اعتبره الشارع المقدس من الاجزاء والشرائط فیه أو للأعم منه فيكون معنى البيع في دليل الإمضاء أحلّ اللّه التمليك بعوض الذي يقترن باللفظ و تحفظ فيه الموالاة و يكون صادرا بلا إكراه من البائع، إذن فلا وجه لتخصیص النزاع فی الصحة والفساد العقلائیة.[۴]
الجهة الثانیة:
ذكر المشهورأنَّ النزاع في أسماء المعاملات مبنيّ على أن تكون اسماً للمعاملة بمعنى السبب، لأنَّه الّذي يشتمل على أجزاء و شرائط ويترتّب عليه الأثر فيتصوّر فيه الصحة والفساد وأمَّا المعاملة بمعنى المسبب كالملكية فأمره دائر بين الوجود و العدم لا الصحة و الفساد فلا معنی للقول بتحقق الملکیة الفاسدة من العقلاء أو الشارع المقدس لا یقال یمکن النزاع بناء علی الوضع للمسببات في ان الوضع هل هو للمسبب الشرعي و الأثر الحاصل في نظر الشارع كما يقوله القائل بالصحيح أو للمسبب العرفي و الأثر الحاصل في نظر العرف سواء كان حاصلا في نظر الشارع أيضا أم لا كما يقوله القائل بالأعم[۵] فإنا نقول: هذا المسبب أیضا دائر بین الوجود والعدم فإن مرجعه إلی تشخیص المسبب وأنه الملکیة الشرعیة أو العقلائیة لا أن النزاع فی الوضع للملکیة الفاسدة أو الصحیحة.
النزاع فی المسبب فی أن البیع قد وضع لما هو شرعا أو لما هو الاعم من الصحیح العرفی والشرعی.
أورد علیه السید الخوئی(قدس سره) بأنَّه یتم لو کان المراد من المسبب هی الملکیة العقلائیة أو الشرعیة ولکنه لیس محل النزاع لوضوح انَّه ليس فعلًا للمتعاملين بل فعل الشارع أو العقلاء و أسماء المعاملات تنسب إلى المتعاملين أنفسهما فيقال: باع زید واشترى ولا يصحّ أن يقال: باع الشارع أو اشترى العقلاء فالمراد من المسبب هی الملکیة الحاصلة عند المتعاملین وهو اعتبار شخصي قائم بالمتعاملين يكون بمثابة موضوع للاعتبار العقلائي و الشرعي وحینئذ یعقل فیه النزاع فإنه قد یصدر المسبب من الصغیر المکره فیکون فاسدا وقد یصدر من المختار الرشید فیکون صحیحا.
أجیب عنه بأن النزاع فی المعنی الاول ومن ثمّ قالوا بأن المسبّب لا يتصف بالصحة و الفساد أمّا جواب الایراد فهو أن المسبّب بالمعنى الأول وإن كان فعلا مباشريا للشارع أو العقلاء ولكنه فعل تسبيبي للبائع فالبائع بحسب الحقيقة ينسب إليه فعلان فعلٌ مباشريٌ وهو الإنشاء وفعل تسبيبيٌ وهو التمليك بعوض وإن شئت قلت بأن نتيجة المعاملة لها فاعلان فاعلٌ تسبيبيٌ وهو البائع وفاعل مباشري وهو الشارع والسر فی ذلک أن المقصود من اعتبار المتعاقدین هو التسبب إلی إیجاد مصداق للقانون الکلی الذی وضعه العقلاء أو الشارع المقدس وإلا فمجرد النقل والانتقال الخارجی لا یحتاج إلی ذلک، قال المجیب: إن أريد بهذا الاعتبار النفساني، مجرد التوصل إلى النتيجة التكوينية وهي كون الكتاب تحت يد المشتري والدرهم تحت يد البائع، فهذا لا يتوقف على الاعتبار بل بمجرد التوافق والتراضي بين الطرفين، يمكن التوصل إلى هذه النتيجة فالاعتبار يكون لغوا إذن فالمقصود بالاعتبار إيجاد الإلزام من الطرفين بحيث أن البائع يكون ملزما بمطلبٍ والمشتري يكون ملزما بمطلبٍ آخر والإلزام مرجعه إلى قانونٍ أسبق فوق إرادة الطرفين مجعول من قبل الشارع الإلهي أو الشارع العقلائي فالاعتبار هنا إنما هو استطراق إلى تطبيق قانون ملزم لا بدّ من افتراضه في المرتبة السابقة و إلّا لكان الاعتبار لغوا إذن إنما يؤتى بهذا الاعتبار وبهذه المعاملة استطراقا للتسبّب إلى النتيجة وهي حكم الشارع الإلهي أوالشارع العقلائي بالتمليك بعوض وبهذا يظهر أن للبائع فعلين فعل مباشري وهو الإنشاء أوالاعتبار وفعل تسبيبي قصد التسبب إليه بالاعتبار[۶].
وفیه أولا: لا یقصد المتعاملان التسبب بإیجاد الملکیة العقلائیة أو الشرعیة والشاهد علیه بیع الغاصب مع علمه بعدم ترتب الاثر الشرعی والعقلائی علی ما یفعله ومع ذلک یُطلق علی ما یفعله البیع حقیقة.
وثانیا: لم یکن إیراد السید الخوئی(قدس سره) هو عدم صحة إسناد البیع إلی العاقد لو قلنا بأن المسبب هی الملکیة العقلائیة حتی یقال بصحة ذلک بالتسبیب بل الایراد هو عدم صحة الاسناد إلی الفاعل بالمباشرة وهو الشارع المقدس أو العقلاء مع أن مقتضی صحة الاسناد إلی الفاعل بالتسبیب هو صحة الاسناد إلی الفاعل بالمباشرة بطریق أولی ولا ریب فی عدم صحة هذا الاسناد لا یقال قد یجعل العقلاء فی مدنهم قوانین یوجب جلب البیت من شخص مثلا فهل ینسب الجلب إلی الفاعل بالمباشرة أو إلی القانون فإنا نقول ینسب الجعل إلیهما معا وهذا بخلاف البیع.
الجهة الثالثة:
قد یقال:بأنّ حديث التمسك بالاطلاق في المعاملات إنّما يتم فيما لو كانت المعاملات أسامي للأسباب فانّه حينئذ مجال للتمسك باطلاق قوله تعالى: أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وإمضاء كل سبب عرفي للبیع کالبیع بالمعاطاة أو بدون الموالاة وأمّا لو كانت المعاملات أسامي للمسببات فالامضاء الشرعي المتوجه إليها لا يدل على إمضاء أسبابها لعدم الملازمة بين إمضاء المسبب وإمضاء السبب إلا إذا لم یکن لهذا المسبب إلا سببٌ واحد أو کان له أسباب متعددة من دون قدر متیقن فی البین فإنه فیهما لا بدّ من الالتزام بإمضاء ذاک السبب الواحد فی الصورة الاولی لدفع اللغویة عن الامضاء وإمضاء جمیع الاسباب فی الصورة الثانیة لدفع الترجیح بلا مرجح أما لو کان فی البین قدر متیقن فهو الممضی دون سائر الاسباب لکفایة القدرة علی إیجاد المسبب بإمضاء سبب واحد ومن الواضح أنّ أدلة الامضاء جميعاً من الآيات والروايات متجهة إلى إمضاء المسببات ولا تنظر إلى إمضاء الأسباب أصلًا ضرورة أنّ الحلية في قوله تعالى أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ثابتة لنفس الملكية لا لسببها إذ لا یتوهم الحرمة فی التکلم بصیغة البیع ووجوب الوفاء في قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ثابت للملكية فانّ الوفاء بمعنى الانهاء والاتمام، ومن المعلوم أنه لا يتعلق بنفس العقد فانّه آني الحصول فلا بقاء له بل لا بدّ وأن يتعلق بما له قابلية البقاء والدوام وهو ليس في المقام إلّانفس المسبب وعليه فلو شككنا في حصول مسبب من سبب خاص كالمعاطاة مثلًا فمقتضى الأصل عدم حصوله والاقتصار على الأخذ بالقدر المتيقن.
أجاب عنه المحقق النائینی(قدس سره) بأن السبب فی المعاملات هو العاقد (أو العقلاء أو الشارع المقدس) دون العقد وإنما العقد آلة للعاقد لإیجاد المسبب وفیه ما فی المحاضرات من أن الکلام لیس فی الاصطلاح لعدم الفرق فی المقام بین أن یعبر عن صیغ العقود بالسبب أو بالآلة فان أدلة الامضاء إذا لم تكن ناظرة إلى إمضاء تلك الصيغ فلا يفرق بين كونها أسباباً أو آلة، ولا أثر للاختلاف في مجرد التعبير.[۷]
ثم أجاب (قدس سره) بنفسه بعد تبیین أن المسبب هو الملکیة العقلائیة أو الملکیة عند المتعاقدین (دون الملکیة الشرعیة للزوم لغویة الامضاء فإن معنی أحل الله البیع یصیرحینئذ إمضاء الملکیة الممضاة!فلا یحتمل وضع اللفظ لهذا المسبب) بأن أدلة الامضاء انحلالیة فلکلِّ مسبب خارجی سببٌ علی حدة فقول زید بعت داری سببٌ للملکیة وقد أمضاها الشارع المقدس بمقتضی إطلاق دلیل الإمضاء لکل مسببٍ وقول عمرو بالفارسی: خانه ام را فروختم سببٌ آخر للملکیة وقد أمضاه الشارع المقدس أیضا کما أن البیع الحاصل من بکر معاطاة سببٌ آخرُ ممضی ومقتضی ذلک إمضاء جمیع الاسباب.
أورد علیه السید الصدر باستحالة اجتماع السببین لمسبب واحد فالسبب لبیع الدار إما البیع بالصیغة أو بالمعاطاة لا هما معا والمفروض أنّ إعطاء القدرة علی المسبب لا یقتضی أکثر من إمضاءِ واحدٍ من هذه الاسباب فأین الامضاء للجمیع.[۸]
وفیه ما لا یخفی لأنه لم یدّع السید الخوئی(قدس سره) اجتماع السببین لمسبب واحد فی قضیة شخصیة وأنهما معا ممضاة حتی یقال باستحالة ذلک بل المدعی هو أن لکل مسبب خارجی سببٌ علی حدة کما قربناه فما ذکره(قدس سره) فی المحاضرات متین فسواء کان البیع موضوعا للسبب أو للمسبب فمقتضی إطلاق دلیل الامضاء هو إمضاء جمیع الاسباب إلا ما خرج بالدلیل نعم یرد علی أصل الایراد أن ألفاظ المعاملات موضوعة للأسباب وتصرمها العقلی لا یمنع الوفاء بها بعد اعتبار البقاء لها من العقلاء کما صرحوا بذلک فی حقیقة الفسخ من أنه إزالة العقد من حین الفسخ فله بقاء عرفا.
الجهة الرابعة:
ذهب فی الکفایة إلی أن البیع موضوع للسبب الصحیح أعنی ما هو المؤثر للملکیة وإنما الاختلاف بین العرف والشرع فی مثل البیع الربوی اختلاف فی المصداق لا فی أصل المعنی بمعنی أنهما یتفقان فی أن معنی البیع هو الصحیح الموثر للملکیة غایة الامر إن العقلاء یقولون إن البیع الربوی مؤثر والشارع المقدس لا یقبل ذلک کما لو اختلف المتبایعان فی مقدار المبیع فقال البائع إنه کیل واحد وقال المشتری هو أقل من الکیل مع اتفاقهما فی معنی الکیل أورد علیه بأن التخطئة یتصور فی الامور التکوینیة کما فی المثال إلا أنه لا معنی لها فی الامور الاعتباریة بداهة أن قوام الاعتبار بید المعتبر فلو اعتبر العقلاء ترتب الاثر علی البیع الربوی فلا معنی لتخطئة الشارع المقدس لهم إلا أن یقول لهم لا ینبغی لکم أن تعتبروا البیع لهذا الفعل لا أنکم ما اعتبرتم البیع وإنما توهمتم ذلک فحقیقة هذه التخطئة إلی الاختلاف فی المعنی.
هذا ولکن الظاهر أن المقصود فی الکفایة غیر ذلک، بیان ذلک: إن من الامور ما لیس له إلا المصداق الاعتباری کالاحترام أوالتعظیم ولا ریب أن له عند الکل معنی واحدا وإنما الاختلاف بینهم فی المصداق فقد یعتبر قومٌ القیام عند القادم احتراما وقد یعتبر قومٌ آخر الجلوس له أو رفع القلنسوة تعظیما وهکذا البیع فإن له عند العرف والشرع معنی واحد وإنما الاختلاف بینهم فی المصداق وهذا معنی التخطئة فی الاعتباریات لا ما قلتم من توهم الاعتبار ومن المعلوم أن هذه التخطئة أو بعبارة أصح هذا الاختلاف فی المصداق لا یلازم تعدد المعنی.
هذا ولکن هذا البیان وإن کان تامّا فی مثل الاحترام لوجود معنی جامع له إلا أنه لا یتم فی البیع لعدم الجامع بین الملکیة الشرعیة والعقلائیة حتی یتحقق مصداقه عند أحدهما ومصداقه الاخر عند الآخر إلا بحسب المفهوم لا بحسب واقع الملکیة.؟[۹]
الجهة الخامسة:
حال الفاظ المعاملات فی التمسک بالاطلاق لرفع جزئیة المشکوک حال العبادات فلو قلنا بوضعها للصحیح الشرعی فلا یمکن الاخذ بإطلاق أحل الله البیع لتصحیح البیع المعلق مثلا للشک فی صدق العنوان علیه ولو قلنا بوضعها للصحیح العقلائی فیمکن التمسک فیما أحرز العنوان العقلائی کما فی المثال کما یمکن التمسک فی ما لو قلنا بالوضع للاعم منهما وحیث إن المشهور ذهبوا إلی أن ألفاظ المعاملات لیست لها حقائق شرعیة قد تمسکوا بالاطلاق فی المعاملات هذا ولکنه قد یقال یإمکان التمسک بالاطلاق لرفع شرطیة المشکوک ولو قلنا بوضع المعاملات للصحیح الشرعی بأحد نحوین:
الاول: دلالة الاقتضاء وحفظ كلام الحكيم عن اللغوية، توضيح ذلك أن البیع فی قوله تعالی: (أحل الله البیع) (بناء علی وضعها للصحیح الشرعی) مجملٌ فمقتضی صيانة كلام الحكيم عن اللغوية هو حملها علی إمضاء الطريقة العقلائية في بيان الأسباب وتحديدها، فكأنه ينعقد لكلامه ظهور عرفي في إمضاء طريقة العقلاء والرجوع إليهم في تمييز وتحديد السبب الصحيح الشرعی وحينئذ يتمسك بهذا الإطلاق اللبّي لتصحيح تمام ما يشك في صحته إذا كان صحيحا عند العقلاء. لکنه أورد علیه بأن دلالة الاقتضاء وصون کلام الحکیم عن اللغویة إنما یتم لو لم یکن قدر متیقن فی البین وإلا فلا یلزم اللغویة لو بقی علی إجماله مع الاخذ بالقدر المسلم وهو البیع الجامع لجمیع الشروط.
الثانی: الإطلاق المقامي بأن يقال بأن المولى في مقام بيان ما هو الصحيح عنده، لأنه لا يشرّع الأحكام لتبقى في ضمير الغيب و إنما هو في مقام إيصالها إلى العباد وحیث نرى أن المولى لم يبين ذلك وإنما قال أحلّ اللّه البيع دون التعرض إلى ما هوالصحيح عنده بحدوده وشرائطه فيستكشف من ذلك بأنه قد أحال بيان مرامه وتشخيص ما هوالصحيح عنده على العرف العقلائي فهذا التقريب لا يدّعى لغوية الخطاب وإنما يدّعى ظهور حالي للمولى ومن المعلوم أن هذا التقریب لا یجری فی ما کان من المستحدثات الشرعیة التی لا یفهم العرف معناها کما قیل فی العبادات.
ثمّ قد أورد علیه القائل بأنه یتم لوکان ظاهر حال المولی هو بیان مراده بشخص هذا الخطاب وحیث لم یبین فیحمل علی المعنی المتعارف أما لو کان قد أراد بیانه بمجموع خطاباته فلا یتم الاطلاق المقامی إلا بعد الفحص عن جمیع خطاباته فإن لم نجد فیها ما یدل علی جزئیة المشکوک فحینئذ یستکشف الاحالة علی العرف أما إذا احتملنا وجود بیانٍ غیر واصل فلا یحرزالإطلاق المقامي لاحتمال وجود التقیید ثم قال إن الطریق لنفی شرطیة المشکوک هو التمسک بالسیرة الجاریة علی المعاملات کالبیع المعاطاتی فإنه حیث لم یرد فیها ردعٌ من الشارع المقدس یستکشف منه الرضا.[۱۰]
ولکنه کما تری یرد علیه ما أورده علی الثانی لاحتمال الردع عن السیرة لا یقال لو کان ردع لکان المتشرعة یرتدعون لأنا نقول لعلهم ارتدعوا والتزموا بإجراء الصیغة فی معاملاتهم إلا أنه بعد ذلک انقلب الحال واستقرت السیرة علی المعاطاة فکما نحتمل وجود قید فی الاخبار یمنع التمسک بالاطلاق کذلک نحتمل وجود الردع عن السیرة ولکنه لم یصل إلینا بل علی ذلک لا یمکن التمسک بالاطلاق فی مورد للعلم بضیاع کثیر من الاخبار الشریفة هذا والمختار صحة التمسک بإطلاق قوله تعالی أحل الله البیع ولو قلنا بوضع البیع للصحیح الشرعی لما ذکرناه مرارا من أن الظهور هو ما یفهمه النوع ومن المعلوم تمسک الفقهاء (رضوان الله تعالی علیهم) بإطلاقها فهو حجة لنا.
الجهة السادسة:
لا یخفی أن الصلاة مثلا بالقیاس إلی غیرها إما لا ربط بینهما کالحجر وإما أن ذلک الغیر جزء لماهیة الصلاة کالرکوع أو شرط لها کالاستقبال بمعنی أن المأخوذ فی الصلاة هو مقارنة الصلاة للاستقبال فما هو الجزء هو وصف التقارن إلا أنه لا یتحقق إلا بوجود الاستقبال طیلة الصلاة وإما أنه جزء أو شرط لا لماهیة الصلاة بل لمصداقه وفرده بحیث أن ذلک الجزء أو الشرط یوجب مزیة أو منقصة للفرد من دون دخالة فی الطبیعة ولذا لا قد تتحقق الطبیعة بدونهما کالقنوت والتعمم وقد یکون الشیء مستقلا عن الماهیة والفرد إلا أن ظرف مطلوبیته هو الواجب کما هو الحال بالنسبة إلی أدعیة شهر رمضان المبارک فإنها لا توجب مزیة فی الصوم وإنما هی مطلوب مستقل لها مزیة وثواب إلا أن ظرفها هو هذا الشهر المبارک ومثله المبیت بمنی فإنه لیس من الاجزاء الواجبة للحج بل هو واجب مستقل فی واجب آخر وقد یکون الشیء شرطا لاستعمال المخترع لا شرطا لنفسه أو لفرده کاشتراط استعمال الطیارة بأکل الحبّ وشدّ الحزام.
ثم لا ریب أن القائل بالصحیح لا یدعی الوضع لما یشتمل علی الثلاثة الاخیرة بل غایة ما یدعیه هو الوضع لجمیع الاجزاء وشرائط المأمور به کما اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره)بل قد یفصل بینهما کما سبق إلا أن لنا فی المقام کلمتین: الاولی:لم یتضح لنا الفرق بین الرکوع والوضوء أو الاستقبال حیث التزموا بجزئیة الرکوع دون الوضوء غیر واضح لنا بناء علی مبانی السید الخوئی(قدس سره) والسرّ فی ذلک أنه لو قلنا بأن الفرق بین الجزء والشرط هو أخذ الاول بنفسه فی المأمور به بخلاف الثانی فإن المأخوذ هو التقید به فحینئذ فإن کان المقصود من هذا التقید هو عنوانه فلازمه أنه لو شک فی الطهارة فاستصحاب بقاءها لا یثبت تقارنها للصلاة وإن کان المقصود منه هو واقع التقید بمعنی أن الشارع المقدس قد اعتبر فی الصلاة وجود الوضوء أیضا فحینئذ نسأل ما هو الفرق بین الوضوء والرکوع فإن الرکوع أیضا کذلک!لا یقال لا أثر لهذا البحث فإنا نقول قد التزموا بعدم اشتراط الشروط بقصد القربة بخلاف الاجزاء فلو طهر ثوبه ریاء لکان مجزیا ومبیحا للصلاة.
الثانیة: ما سیأتی إن شاء الله تعالی من عدم معقولیة الجزء المستحب للفرد وإنما هو راجع إلی القسم الأخیر.
[۱] قال المحقق التبریزی(قدس سره): و دعوى كون النهي الإرشادي أيضا كالأمر الإرشادي لا يتعلّق بغير المقدور ممنوعة فإن النهی الإرشادي لا يتعلّق بما أحرز عدم إمكانه لكونه لغوا محضا أمّا تعلّقه بغير المقدور واقعا إرشادا إلى عدم قدرة المکلف على متعلّقه، فهو ليس بلغو كما في النواهي الارشاديّة العرفيّة. الدروس ۱/۱۵۲
[۲] نهایة النهایة ۱/۴۵
[۳] نهایة النهایة ۱/۴۶
[۴] البحوث ۱/۲۱۱
[۵] نهایة النهایة ۱/۴۷
[۶] البحوث(تقریرات عبد الساتر) ۳/۷۳
[۷] المحاضرات ۱/۲۱۴
[۸] البحوث(تقریرات عبد الساتر) ۳/۷۵ إلی ۷۹
[۹] لم یظهر لی الوجه فی عدم الجامع! المقرر
[۱۰] البحوث ۱/۲۱۴